العنف المدرسي وتأثيره على الاطفال في زمن يتربص العنف فى معظم معالم الحياة ليتحول فعله بحد ذاته إلى أمر طبيعي، فإما أن ينتقل هذا الفعل ليمارَس بحق أطفال في البيوت والشوارع أو ليصل إلى صروح تعليمية مؤتمنة على تنمية شخصية التلميذ النفسية كما الفكرية حيث يكرّس كمفهوم تربوي، فهذا أمر خارج عن القوانين والأعراف.
قد يبدو الحديث عن مثل هذه المسائل في زمن المناهج الحديثة التي حملت التلميذ من موقع المتلقي إلى المشارك في العملية التعليمية غريباً، إلا أن الواقع الذي تسجله الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الأطفال في لبنان يكشف عن ارتفاع في نسبة العنف الذي ما زالت بعض المدارس تعتمده وسيلة للتأديب من الجسدي إلى الكلامي أو المعنوي، في ظل غياب الوعي التام للأهل الذين يعتبرون أن ما يقوم به المعلم هو حق من حقوقه كونه الأعلم بمصلحة التلميذ وصلاحه.
يعيق العنف في المدارس قابلية المدرسة لتحقيق أهدافها وغاياتها، ألا وهي تربية الأطفال وتأهيلهم لتنمية قدراتهم وتطوير إمكانياتهم في بيئة سليمة آمنة. غير أن إحدى الدراسات الميدانية التي أجريت في إطار الإعداد لنيل إجازة في الإشراف الصحي والإجتماعي من الجامعة اللبنانية كلية الصحة العامة، على عينة من 16 مدرسة و180 تلميذاً و71 مدرّساً و16 مديراً، أظهرت أن 54 في المائة من التلاميذ تعرضوا للعقاب الجسدي و16 بالمائة منهم لأكثر من عشر مرات، فيما اعترف نحو 32% من المدرسين بمعاقبة التلميذ و72% من المديرين أكدّوا ذلك خصوصاً وأن نسبة كبيرة من الأهل تتجاوز الـ44% تعطي المعلم الصلاحيات الكاملة لتأديب الولد.
وعلى الرغم من انتشار الخطوط الساخنة للتبليغ عن أي انتهاك يتعرّض له الأطفال سواء من قبل الجهات الرسمية المعنية بالموضوع أو الجمعيات الأهلية، وعلى الرغم من تفاعل البرامج التثقيفية التي تعتمدها هذه المؤسسات إلا أن نسب الحالات المعنّفة ما زالت مرتفعة، مع العلم أنه يبقى الكثير منها خفياً بسبب عدم معرفة التلاميذ بحقوقهم أو بسبب خوفهم من البوح بما يتعرضون له. وفيما يأخذ المتابعون على القوانين والأنظمة الداخلية للمدارس حصر العنف في نصوص عامة من دون التطرق إلى العقوبات التي قد تلحق بالشخص الذي ارتكب العنف مطالبين بمنح الجمعيات صفة الإدعاء الشخصي في حال انتهاك حق طفل ما، يرى بعضهم أن المشكلة تكمن في عدم نشر هذه القوانين ليتعرّف الأطفال على حقوقهم وعدم تنفيذ الرقابة في المدارس من قبل جهاز الإشراف والتوجيه التربوي في وزارة التربية للحدّ من تفاقم هذا الوباء.
“الولد ما بيفهم إلا بالضرب، بعدو زغير ما بيفهم، الولد بيربى لوحدو” عبارات تتردد على ألسنة الأهل لتصبح جزءاً من التربية التي يعتمدونها تجاه أطفالهم الذين ينشأون على سماعها غافلين عن الآثار التي تتركها في مستقبل الطفل وتنمية شخصيته لما فيها من عنف معنوي أشد وقعاً من العنف الجسدي الذي ينتهي في أحيان كثيرة إلى الوفاة أو الإعاقة الدائمة. وكما في البيت كذلك في المدارس التي ما زالت في كثير منها تعتمد العقوبة أو الضرب أسلوباً تأديبياً من دون الإكتراث إلى مفاعيله التي تبدأ بكره الاطفال للمدارس والتعلم ولا تنتهي بالرسوب أو التسرب المدرسي وفي النهاية الفشل والضياع. والقصص في ذلك كثيرة من نيللي، إبنة الستة عشر ربيعاً التي تركت المدرسة بعد توبيخها من معلمها البالغ من العمر خمسة وأربعون عاماً والذي مارس عليها التهديد بالطرد فكانت النتيجة رسوبها وعدم تمكنها من إنهاء سنتها الدراسية، إلى أحمد إبن الثمانية من عمره الذي تعرّض للاعتداء من قبل مدرّسه الذي أبرحه ضرباً ترك آثاراً في جسده لأنه كان يتكلم وزميله أثناء الشرح وغيرهما من القصص والحالات التي تبقى مكتومة لعدم جرأة التلميذ التحدث عنها نتيجة ممارسة التهديد والعنف عليه أو لعدم وعيه إلى حقوقه وعدم إلمامه بها.
أشكال العنف المدرسي وأسبابه
هنا نطرح التساؤل: ما هي أشكال العنف المدرسي الممارس من المعلم على التلميذ؟ وما هي الأسباب التي تؤدي بالأستاذ أو المعلمة إلى ممارسة العنف ضد التلاميذ؟
بالنسبة لأشكال العنف الممارس فثمة ثلاثة أنواع:
– العنف الجسدي، كالضرب، الصفع، شد الشعر، الدفع، القرص…
– العنف النفسي أو المعنوي مثل الإهانة، الإذلال، السخرية من التلميذ أمام الرفاق، نعته بصفات مؤذية، احتجازه في الصف، القساوة في التخاطب معه، إنتقاده باستمرار، التمييز بين طفل وآخر، البرودة العاطفية في التعاطي معه، عدم إحترامه، عدم تقدير جهوده…
– العنف الجنسي، ويتدرج من استعمال كلمات ذات دلالة جنسية، إلى الملامسة الشاذة لبعض أجزاء أو أعضاء جسم التلميذ وصولاً إلى التحرش.
ولا تقتصر مظاهر العنف المدرسي على ما سبق ذكره فقط، بل إنها قد تشمل حتى ظاهرة الأبنية غير الملائمة والملاعب والصفوف التي لا تتمتع بالمواصفات المناسبة، وطريقة إجراء الإمتحانات، والوسائل التعليمية، والخدمات المدرسية، ووزن الحقيبة المدرسية.
أما عن الأسباب التي تدفع بالمعلم إلى ممارسة العنف فترجع إلى عدم معرفته بقواعد النمو السليم وبحاجات التلاميذ وإمكاناتهم، أو وجود إدراك خاطئ لديه عن قدرات طلابه وإمكاناتهم ما يجعله يفسر معارضتهم لأوامره على أنها إشارة نبذ، يردّ عليها بالعدوان. يضاف إلى ذلك وجود الإحباط في سيرة المعلم أو تعرّضه في طفولته إلى شكل من أشكال العنف أو إلى مشاهدة العنف في أجوائه الأسرية.
بين حقوق الطفل والعقاب المدرسي
على الرغم من توقيع لبنان على إتفاقية حقوق الطفل في العام 1990، إلا أن العقاب الجسدي في بعض المدارس اللبنانية لا يزال مسموحاً به قانوناً وإن كانت ممارسته محظّرة إدارياً في الرسمية منها، أما في الخاصة فقد عمد بعضها إلى إدخال أنظمة مناهضة للعقوبات الجسدية في أنظمته من خلال اعتماد تدابير بديلة كإقامة بحث أو تقديم شرح للدرس، فيما ما زال بعضها الآخر يفتقر إلى هذه الخطوة.
ويلاحظ المتابعون أن العنف ما زال يُعمل به في كثير من المدارس في لبنان التي ما زالت تعتمد أسلوب التلقين، علماً أن خطة النهوض التربوي للعام 1996 أشارت منذ ذلك الوقت إلى وجوب إدخال إختصاصيين إجتماعيين في المدارس الرسمية واعتمدت توجيه الطريقة التعليمية نحو المشاركة، إلا أن ذلك لم يطبّق بالكامل. هذا وتكثر أخبار الممارسات العنفية في المدارس بدءاً من العنف الجسدي كالركوع والوقوف طويلاً والضرب المبرّح الذي قد يؤدي أحياناً إلى حدوث إعاقات، إلى العنف المعنوي سيما الكلامي منه والذي لا يقل إيلاماً وخطورة.
ولا يزال التعاطي مع العقاب الجسدي في المدرسة دون الوعي المطلوب إذ أن المفاهيم السائدة سواء عند الأهل أو في المدارس تجيزه في التربية لا بل تعتبره وجهاً طبيعياً من وجوهها من دون الاكتراث لآثاره السلبية التي قد تترك بصماتها في مستقبل الطفل المعنف، والتي قد تبدأ بالإحباط والرسوب والتسرب أو حتى التمرد ولا تنتهي بالانكماش والانطواء والتلعثم وضعف الذاكرة وسوء التركيز.